عقارب ساعة البتّ باستقالة حكومة استعادة الثقة متوقّفة. هذه العقارب تنتظر عودة الرئيس سعد الحريري من الرياض. فأي قرار بقبول الاستقالة من عدمه لن يؤخذ قبل عودته من الرياض، بمعزل عن أن المعلومات عن رجوعه يوم الخميس المقبل لم تتأكد للقيادات السياسية الأساسية.
وبانتظار عودة الشيخ سعد، فإن الترقب سيّد الموقف لتشكيل حكومة بأسرع وقت. حكومة من المفترض أن يحظى رئيسها بالتوافق تحت سقف دار الفتوى، ويتمسّك بثوابتها، هذا ما أكده الرئيس نجيب ميقاتي يوم أمس. وضع ميقاتي حداً لمن يريد أن يستثمر سلبياً على زيارته دار الفتوى، بقوله لستُ مرشحاً لرئاسة الحكومة لا من قريب ولا من بعيد.
وبمعزل عن توقيت استقالة الحريري ومكان الإعلان عنها والأسئلة التي رافقت البيان، سواء المتصلة بالصراع السعودي - الإيراني وانعكاساته على الداخل اللبناني، أو المتصلة بإقامة الحريري "الجبرية" في الرياض على خلفية ما سُمّي "انغماسه" بصفقات فساد مع الأمير متعب بن عبد اللهوالأمير الوليد بن طلال والأمير تركي بن عبد الله بن عبد العزيز أمير الرياض السابق، ورجل الأعمال البارز وليد الإبراهيم رئيس مجموعة MBCالإخبارية، ورجل الأعمال صالح كامل و11 أميراً و38 وزيراً ونائب وزير سابقين، فإن الاستقالة باتت أمراً واقعاً. أمر يستوجب التعاطي معه بدقة وحذر في ضوء الحديث عن تصعيد مقبل على لبنان.
وسط هذا المشهد الدراماتيكي غير الواضح الأبعاد، المغطّى بطبقة كثيفة من الغموض، سارع ميقاتي للقاء مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، مشدّداً على أهمية التمسك باتفاق الطائف وبالثوابت التي أعلنتها دار الفتوى.
الميقاتي غير الانتهازي المترفّع والمتجاوز أحقاداً وضغائن غرسها تيار المستقبل في صفوف بعض محازبيه، بحسب ما يؤكد عدد من نواب فريقي 8 و14 آذار لـ"البناء"، أبدى تضامناً مع الحريري قائلاً: "أنا أشعر مع الرئيس الحريري في خلفيات استقالته، وأتمنى أن نفهم منه مباشرةالأسباب. ونحن معه في ما يراه مناسباً".
تجاوز ميقاتي أمس، الاتهامات التي كالها تيار المستقبل مجتمعاً ضده على مدى 6 سنوات رداً على تولّيه ما سُمّي وقتذاك برئاسة "حكومة حزب الله"، وتخطّى أيضاً قيادة الحريري شخصياً من الخارج المعارضة القاسية ضده. وضع ميقاتي جانباً ملاحظاته كلها على أداء الحكومة الحريرية.الوقتليس وقت شماتة، إنما وقت عمل وجهد جديين من أجل صون لبنان والحفاظ عليه.
لا مكان عند "الميقاتي" لتصفية الحسابات مع الحريري المأزوم راهناً، رغم امتلاكه الحيثية التمثيلية والعلاقات الإقليمية والدولية. سارع "النجيب" إلى تقديم مبادرة لتشكيل جبهة واحدة في هذا الظرف الصعب من أجل لبنان وحماية الدولة وحفظ التوازنات داخلها. مبادرة تستشعر الأزمة ومخاطرها. تقدّم حلاً للخروج من الأزمة الحالية. تؤكد أهمية التعاطي بمسؤولية مع ما تفترضه من تحديات من منطلق التمسك الكامل باتفاق الطائف والدستور، بحرفيته من دون استنسابية أو مزاجية، ومن دون الدوس على الدستور الذي يحفظ دور كل مكوّن وحيثيته.
لم يطلق الرئيس ميقاتي أمس المبادرة، إنما أودعها الشيخ دريان المرجع الصالح في هذه اللحظة الحرجة لمخاطبة أبناء الطائفة السنية. ومن المرجّح أن يُدعى المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى لاجتماع خلال الأيام القليلة المقبلة بأعضائه كلهم (رئيس الوزراء ورؤساء الحكومة السابقين والأعضاءالمنتخبين) ليُبنى على الشيء مقتضاه حيال "الشخصية السنية" التي ستحظى بالتوافق تحت سقف دار الإفتاء.
وبحسب مصادر سياسية في فريقي 8 و 14 آذار لـ "البناء" فإن ميقاتي قارب الصدمة بواقعية وأخلاقية عالية. لم يستغل اللحظة. ترفع عن استغلال الظرف ومحاولة الاستثمار عليه. أبدى تعاطفاً مع جمهور الحريري ومع تيار المستقبل، لا سيما أن "واقعة الاستقالة" أحدثت "تشوّشاً" فيالرؤية عند القاعدة الزرقاء، وقلقاً من الفراغ السياسي في الرئاسة الثالثة، مستفيداً من وسطيته لإحداث توازن بين ضرورة الحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار والوحدة الوطنية وعدم تخطي المسائل الدستورية.